الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة ( العلم والإدراك )

الدليل الخامس : 
-
وأمّا الدليل الخامس الذي ساقه المصنّف -ره- لاثبات تجرّد العلم والإدراك ، استعان المصنف في هذا الدليل بفكرة " الإستذكار" عند الإنسان أو التذكّر ( تذكر المعلومات السابقة ) ، فلا شك أن الإنسان لديه القدرة على استعادة الصور الحسيّة واحضارها في ذهنه متى ما أراد، وهذه من خصائص الإنسان، فالإنسان يستطيع أن يستذكر صور المحسوسات التي قامت القوة الحافظة عند الإنسان بحفظها، وهذه الصور سميّت بالصور الحسيّة بسبب التواصل مع الخارج بواسطة الحواس مباشرةً - كما بيّنا سابقًاكما أن الإنسان يصاب بحالات النسيان فأنه لا يكون ملتفتًا لكل الصور الموجودة في القوة الحافظة، ولكن بعد ذلك تحصل عنده حالة التذكر فيتذكر الصور التي احتفظت بها القوة الحافظة.
-
 والانسان في كلا الحالتين في حالة استحضار الصور وفي حالة خروجه من حالة النسيان يجده عين ما كان يعلم به سابقًا، فالذكريات التي يستحضرها الإنسان كأصدقائه  فهو يستحضر نفس اللقاء الذي جمعه بصديقه العزيز على سبيل المثال ويستحضر صورة صديقه العزيز نفسه، فاذا  أضفنا إلى ذلك أن عالم المادة هو عالم التغير والحركة وأنّ الحركة والتبدل والتغيّر من أخص خصائص المادّة، فاستحضار الذكريات وتذكر الصور المنسية يعدُ من أوضح الشواهد على أنّ الصور العلمية ثابتة وليست متغيرة وأن لها وجودًا غير مادي ولا تطاله أحكام المادة، فلو كانت مادية لكانت خاضعة للتغير ، فاستحضار الذكريات هو عين ما علم به سابقًا ، فلو قلنا أنّ العلم والإدراك هو بنفسه تلك الظواهر المادية الحاصلة في الدماغ لما أمكننا أن نتصور مفهومًا صحيحًا عن التذكر بعد النسيان، لأنها لو كانت مادة لكانت متغيرة،  فهذا يعني أن الذي سيحصل عندنا هو صور جديدة وليست هي الصور السابقة،  فلو فرضنا أن الصور السابقة صور  مادية والصور مادية موجودة في الدماغ والدماغ متغير بسبب تجدد خلاياه، فهذا يعني أنه لن تبقى عند الإنسان قابلية التذكر، وغاية ما يحصل عنده حصول صور جديدة ليست هي الصور السابقة، وهذه لا يمكن حلها إلا اذا قلنا أنّ العلم أمر مجرّد عارٍ عن أحكام المادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق