الأحد، 19 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثانية

[ ملاحظات على ما تقدّم ]
-
كان الكلام في المقالة السابقة حول ادراج العلّامة -ره- القائلين بنظرية الأشباح وبنظرية المادية الديالكتيكية في المثالية
 ( السفسطة )،، وقد تقدّم البيان حول نظرية الأشباح، والآن نشرع في تعريف أو بيان نظرية المادية الديالكتيكية أو
(الماركسية) وقبل التعريف بالنظرية المادية الدياكتيكية لابدّ من بيان ملاحظتين :
-
الملاحظة الأولى : في القرن السابع عشر، نشأت في أوروبا فلسفة مادية تساوي بين الوجود والمادة، أيّ لا يوجد موجود مجرّد عن المادة في قبال الفلسفة الميتافيزيقية التي الوجود أعم من المادة، وهذه الفلسفة المادية تنقسم إلى مذهبين رئيسين :
-
١-المادية الميكانيكية : هذا المذهب عادةً ما يُنسب أصحابه إلى الفيلسوف اليوناني (ديموقراطس) وهذا المذهب يرى أن هذا المادة التي تساوي الوجود عبارة عن جزئيات صغيرة صلبة لا تقبل التغيير ولا الانقسام وكل مظاهر هذا العالم الماديّ من بشر وحجر الخ... عبارة عن تشكّلات مختلفة من هذه الجزئيات الصغيرة، فحركة هذه الجزئيات الصغيرة الصلبة هي التي توجد لنا هذه الظواهر المادية المختلفة وقالوا بأنّ حركة هذه الجزئيات  المادية هي حركة ميكانيكية كحركة عقرب الساعة أي أنها حركة جبرية ومفروضة على هذه الجزئيات ولهذا سميّ بالمذهب (الماديّ الميكانيكي) ،، وهذا تفسير هذا المذهب للطبيعة،
وأما في مجال المعرفة كان المذهب الميكانيكي مذهبًا واقعيًا، فكان يؤمن بوجود واقع خلف ذهن الإنسان ويؤمن بأن علم الإنسان يكشف عن الواقع، وأن الحواس هي وسائط نقل، تنقل الخارج إلى ذهن الإنسان.
-
٢- المادية الديالكتيكية : هذا المذهب اتخذ منحى جديدًا في مجال تفسير الطبيعة حيث أنها آمنت بالحركة ولكنها رفضت أن تكون هذه الحركة حركة ميكانيكية جبرية من الخارج، ولكنهم قالوا أن حركة المادة نابعة من صميم المادة وذاتها، وأما في مجال المعرفة فسيأتي بيانها فيما بعد ..
-
الملاحظة الثانية : الفلسفة الماركسية تدعي أنها فلسفة واقعية وتبعد عن نفسها المثالية والسفسطة، بل يدعون أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى اليقين الموضوعي بل ويدعون أنهم يحاربون المثالية.
.
وهنا نأتي إلى محل البحث، كما تقدّم أن المادية الديالكتيكية تؤمن بأن المادة تساوي الوجود أي أن كل موجود هو مادة، وكذا في مجال المعرفة فسروا كل شيء بناءً على هذه القاعدة ( الوجود = المادة )، فالماركسيون في مقام تفسيرهم للادراك والعلم عند الإنسان فقالوا بأنه نشاط عضوي يقوم به الدماغ استندوا إلى ثلاث أصول : ١-( الوجود يساوي المادة ) وهذا الأصل هو النقطة الأساسية للفلسفة الماركسية ،، ٢- أن هذه المادة في حالة تغير وحركة وتطور مستمر نابعة من ذاتها
٣- أن جميع أجزاء المادة تؤثر وتتأثر فيما بينها،، فيكون علم الانسان وفكره خاضع لديالكتيك المادة، بسبب أن علم الإنسان وفكره موجودان  وكل موجود عندهم يساوي المادة فعلم الإنسان وفكره ماديّ، وعند ذلك لا توجد قضايا مطلقة دائمة وكليّة، فعندها يجب أن يزج بها إلى جملة المثاليين، فالعلم عند الإنسان بحسب تفسير الماركسيين يكون وليد لأمرين ماديين الواقع الخارجي والثاني هو الدماغ، فالفكر مولود مادي نتاج تزاوج الواقع الخارجي والدماغ والفكر ليس هو الواقع وليس هو الدماغ، أي أن الواقع لا يحضر بماهيته عند ذهن الإنسان ، بل العلم هو ظاهرة ثالثة.. فلا تكون علاقة كاشفية عن الواقع، بمعنى أن العلم ليس له مصداق في الخارج بل لا يكشف عن الخارج أصلًا، وعندها على أي أساس ندرك وجود واقع خارجي خلف ذهن الإنسان، وهذا عين قول ( المثالية ) .
-
أجاب الماركسيون عن هذا الإشكال فقالوا : إن كان سبب ادراجكم لنا في المثالية هو أننا ننكر الكاشفية المطلقة للعلم عن الواقع ( الاتحاد الماهوي بين الوجود الخارجي والذهني) فهذا نسلّم به وهويتفق مع أصولنا، وأما إن كان إدراجكم بسبب نكراننا للكاشفية النسبية للواقع فهذا لا نسلّم به، بل نثبت الكاشفية النسبية أي أن الذهن يتصرف بالصور المنقولة من الواقع
-
أجاب المصنّف -ره- : إن هذا الجواب من الماركسيين يتضمن اعترافهم بوجود علم مطلق وفكر مطلق في الوقت الذي ينفونه، وذلك لأنهم ينفون العلم المطلق بشكل مطلق فهم يقولون ( لا يوجد كشفٌ مطلق ) وهذا اعتراف بوجود علم مطلق ولو في مورد واحد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق