الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة ( العلم والادراك )

اشكال على الدليل الخامس
.
 كان الكلام في المقالة السابقة في الدليل الخامس على تجرّد العلم وكان الدليل ستند على التذكر واستحضار المعلومات السابقة، وقد أُشكل على هذا الدليل فقيل
-
صحيح أنّ من أحكام المادة التبدّل والتغيّر وهذا التبدّل، والتغير يشمل الدماغ فخلايا الدماغ أيضًا في تغير وتبدل، ولكن هذه التغيرات والتبدلات التي تحصل في الدماغ تكون بشكل سريع وخاطف بحيث أنّ القوى الادراكية عند الإنسان لا تستطيع ملاحظتها مثل نظر الإنسان إلى نفسه في النهر الجاري، فهي مكونة من عدة صور فتذهب صورة وتنطبع صورة أخرى بسبب تحرك الماء ولكن الإنسان يلحظها صورة واحدة لسرعتها، وكذلك الحال في التذكر، فالآثار الجديدة التي تحل محل أجزاء السابقة في الدماغ ،، تحل بشكلٍ لا يلحظه الإنسان وهذه الآثار الجديدة تشابه وتجانس الآثار السابقة وليس هو عين الشيء السابق، فيتخيل الإنسان أن ما علمه الآن هو نفسه الذي كان يعلمه في الزمان السابق.
-
-أجاب المصنّف -ره- : 
لو سلمنا بهذا الكلام والبيان فأيضًا لا يحلّ مشكلة التذكر عند الإنسان، وغاية ما يثبته هذا الكلام والاشكال أنّ التذكّر عبارة عن حصول صورة جديدة في دماغ الإنسان ويتخيل الإنسان أنّ هذه الصّورة الجديدة هي عين الصورة السابقة التي كان يعلمها قبل النسيان وهذا ليس تذكرًا لعين ما كان يعلمه في السابق، بل هو فقط عبارة عن حصول معلومة جديدة لدى الإنسان.
-
بل هذا البيان بنفسه يثبت أن العلم والإدراك عملية مجردة عن المادة لأن الإشكال يقول : التذكر  عبارة عن حصول صورة جديدة والإنسان يتخيلها عين الصورة السابقة وهذا يعني أن الصورة الجديدة والقديمة في ظرف الخيال تكون واحدة، وهذه  الوحدة الخيالية لا تنسجم مع القول بأنّ الادراك والعلم عملية مادية لأنها لا تنقبل الإنقسام وليست متبدلة بل هم اعترفوا أنها واحدة
-
ثانيًا

 على هذا البيان سيمتنع على الإنسان أن يصدّق ويجزم بأي قضية من القضايا لأنهم قالوا الإدراك نشاط مادي قائم في الدماغ والدماغ متغير كما تقدّم، ففي القضايا التصديقية فيوجد فيها موضوع ومحمول ونحكم على الموضوع بالمحمول، ولكن قبل الحكم نحتاج إلى تصور الطرفين فنتصور الموضوع أولًا ثم نتصور المحمول وعند ذلك لن يبقى الموضوع على حاله لأن التصور عملية مادية قائمة في المخ على زعمهم والمادة في حالة تغير ، فالموضوع لن يبقى على حاله، عندها سيحكم الإنسان على موضوع آخر، وعندها يمتنع التصديق على الإنسان وهذه سفسطة ضحلة

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة ( العلم والإدراك )

الدليل الخامس : 
-
وأمّا الدليل الخامس الذي ساقه المصنّف -ره- لاثبات تجرّد العلم والإدراك ، استعان المصنف في هذا الدليل بفكرة " الإستذكار" عند الإنسان أو التذكّر ( تذكر المعلومات السابقة ) ، فلا شك أن الإنسان لديه القدرة على استعادة الصور الحسيّة واحضارها في ذهنه متى ما أراد، وهذه من خصائص الإنسان، فالإنسان يستطيع أن يستذكر صور المحسوسات التي قامت القوة الحافظة عند الإنسان بحفظها، وهذه الصور سميّت بالصور الحسيّة بسبب التواصل مع الخارج بواسطة الحواس مباشرةً - كما بيّنا سابقًاكما أن الإنسان يصاب بحالات النسيان فأنه لا يكون ملتفتًا لكل الصور الموجودة في القوة الحافظة، ولكن بعد ذلك تحصل عنده حالة التذكر فيتذكر الصور التي احتفظت بها القوة الحافظة.
-
 والانسان في كلا الحالتين في حالة استحضار الصور وفي حالة خروجه من حالة النسيان يجده عين ما كان يعلم به سابقًا، فالذكريات التي يستحضرها الإنسان كأصدقائه  فهو يستحضر نفس اللقاء الذي جمعه بصديقه العزيز على سبيل المثال ويستحضر صورة صديقه العزيز نفسه، فاذا  أضفنا إلى ذلك أن عالم المادة هو عالم التغير والحركة وأنّ الحركة والتبدل والتغيّر من أخص خصائص المادّة، فاستحضار الذكريات وتذكر الصور المنسية يعدُ من أوضح الشواهد على أنّ الصور العلمية ثابتة وليست متغيرة وأن لها وجودًا غير مادي ولا تطاله أحكام المادة، فلو كانت مادية لكانت خاضعة للتغير ، فاستحضار الذكريات هو عين ما علم به سابقًا ، فلو قلنا أنّ العلم والإدراك هو بنفسه تلك الظواهر المادية الحاصلة في الدماغ لما أمكننا أن نتصور مفهومًا صحيحًا عن التذكر بعد النسيان، لأنها لو كانت مادة لكانت متغيرة،  فهذا يعني أن الذي سيحصل عندنا هو صور جديدة وليست هي الصور السابقة،  فلو فرضنا أن الصور السابقة صور  مادية والصور مادية موجودة في الدماغ والدماغ متغير بسبب تجدد خلاياه، فهذا يعني أنه لن تبقى عند الإنسان قابلية التذكر، وغاية ما يحصل عنده حصول صور جديدة ليست هي الصور السابقة، وهذه لا يمكن حلها إلا اذا قلنا أنّ العلم أمر مجرّد عارٍ عن أحكام المادة.