الجمعة، 24 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة : العلم والإدراك

قبل أن نستعرض البراهين التي ساقها المصنّف -ره- في البرهنة على نظرية الروح الميتافيزيقية التي تقول بأنّ ظاهرة العلم لدى الإنسان ليست من أحكام المادّة، لابد من الالتفات إلى نقطة وهي أنّ الماديين والميتافيزيقيين كلاهما يؤمنون بحصول نشاط مخيّ عصبيٌ عند حصول العلم والإدراك لدى الإنسان، إلّا أنّ الميتافيزقيين يقولون بأن هذا النشاط الدماغي ليس هو العلم بل معدٌ لظاهرة العلم لدى الإنسان.
-
والدليل الأول الذي ساقه المصنّف -ره- ؛ اذا لاحظنا المادة فنجد أنّ هناك مجموعة من الآثار والخصائص لا تنفك عن المادة وهي موضع اتفاق الماديين والميتافيزيقيين، ونحن نريد أن تستدلّ على عدم انطباق هذه الآثار والخصائص على ظاهرة العلم والادراك لدى الإنسان، فيكون العلم مجرّدًا عن المادة، وأمّا هذه الخصائص والآثار فهي :
.
١- استحالة انطباع الكبير في الصغير، فلابدّ أن يكون المنطبع فيه أكثر مقدارًا أو مساويًا للمنطبع، ونحن إذا لاحظنا ذواتنا نجد أنّ كل واحد منّا يدرك مجموعة كبيرة من الأشياء ويتصوّرها بحجمها وشكلها، فيتصوّر هذا العالم المحيط به بتفاصيله، وحينئذٍ فلا يمكن لأحدٍ أن يدعي أنّ هذا العالم الكبير بأجمعه قد حلّ في هذا الدماغ الصغير، وذلك لأن الماديّ الكبير يستحيل أن ينطبع في الماديّ الصغير.
.
٢- أنّ المادة قابلة للإنقسام والتجزئة والانفصال كما هو الحال في الانشطار الذري ، فنحن عندما ندرك صور الأشياء ندركها على أنها صور واحدة ليست مجزّئة وغير منقسمة، فلو كان الدماغ المادي هو محل الإدراك لوجب أن ندرك الصور بشكلٍ مجزئ وليس بشكلٍ واحد، والحال أننا ندركها بشكلٍ واحد لا ينقبل الانقسام.
.
فالنتيجة :  أن ادراك الإنسان للأشياء المحيطة به ليس ماديًا لعدم انطباق خصائص المادة على الادراك، فالادراك ليس محله الجهاز العصبي أو الدماغ، بل محلّه موجود مجرّد عن المادة وهو النّفس.
-
اشكال الماديون :
.
أشكل الماديون على نظرية انطباع الكبير في الصغير وقبل أن نبيّن مقدمة وهذه المقدّمة تتعلّق بمسألة الرؤية عند الانسان، توجد نظريتان عند الفلاسفة والطبيعيين في كيفية تحقق الرؤية عند الإنسان
.
النظرية الأولى تنسب إلى أرسطو وأتباعه وتابعه على ذلك ابن سينا وتعرف بنظرية الانطباع، فقالوا إن عدسة العين عبارة عن جسم شفاف حالها حال المرآة، فاذا وضع شيء أمام العدسة انطبعت صورته على سطح العدسة كالمرآة
.
النظرية الثانية خروج الشعاع : تبناها أفلاطون والخواجة نصير الدين الطوسي -ره- فقالوا أن عدسة العين عبارة عن طاقة ماديّة يخرج منها ضوء فيصطدم بالأجسام الخارجية أمام العدسة فيحصل الإبصار، وكلا النظريتين أبطلهما العلم الحديث.
.
فالإشكال يقول : أنّ هذه استحالة انطباع الكبير في الصغير، فالعلم التجريبي يقول أنّ حالة الابصار لدى الإنسان يشبه إلى حدٍ كبير الكاميرا فليس هو الانطباع أو خروج الشعاع، إنّما هو خروج الشعاع من الجسم ويقع على قرنية العين فيجتاز العدسة ويتمركز في النقطة الصفراء فتتكون صورة للأشياء في النقطة الصفراء وهذه الأجسام عبارة عن أحجام متناهية في الصغر فتتمركز في النقطة الصفراء، فلا يوجد انطباع الكبير في الصغير، فهذه حقيقة الإبصار.
-
والجواب يأتي في مقالة أخرى إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق