الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

المقالة الثالثة : العلم والإدراك

العلم والإدراك
.
المقالة الثالثة تعرضت لمبحث العلم والإدراك وهو من المباحث المهمة في نظرية المعرفة، فهل العلم والإدراك عند الإنسان هو نشاط ماديّ فقط محلّه الدماغ والأعصاب ؟ أم هو نشاط مجرّد عن المادة؟ وهذا المبحث بُحِث من اختصاصات متعدّدة كعلم النفس والفسيولوجيا والفلاسفة وكلّ منهم بحث عن ماهية العلم والإدراك من زاويته الخاصّة.
-
تحرير المسألة : بحثنا في هذه المسألة هو بحث في العلم الأعم من العلم الحسيّ أو العلم العقليّ أو العلم الخياليّ، وذلك لأنه في المنطق يقسّمون العلم الحصولي إلى أقسامٍ ثلاثة  : 
.
١- العلم الحسي : والمراد منه هو العلم الحاصل في ذهن الإنسان عند تعاطيه مع الأشياء المحيطة به بواسطة الحواس، وهذه الصور الحاصلة عن طريق الحواس ( الباصرة وغيرها) تسمّى صور حسيّة، وهي صور جزئية، بمعنى أنها لا تنطبق إلّا على الشيء الذي أُخذت الصورة منه كصورة زيد وأنت تتحدث معه الآن 
.
٢- العلم الخيالي : بعد أن يلتقط الإنسان الصور المحيطة به عن طريق حواسه، تقوم القوة الحافظة عند الإنسان بحفظه، فبعد أن ينقطع الإنسان عن الخارج فيكون باستطاعة استرجاع تلك الصورة (كاسترجاع الذكريات) وهذه تسمى صور خيالية، وتمتاز الصور الحسية بأنها أدق وأوضح من الصور الخيالية، كما أن حصول الصور الحسية لدى الإنسان يكون أمرًا حتميًا كأن يضع الإنسان يده في النار فتحصل عنده صورة الحرارة بالضرورة، أمّا الخيالية فهي مرتبطة بارادة الإنسان إن شاء استرجع الصورة .
.
٣- العلم العقليّ : بعد أن يدرك الإنسان الجزئيات المحسوسة في الخارج، فيدرك زيد وبكر ومحمد وعلي الخ، ويحللها فيجد أن هناك مجموعة من العناصر تشترك فيها كل هذه الجزئيات، وهناك أمور تتميز بها ( أمور تشخّص زيد عن بكر و عن علي) كطولهم وعمر ( شكلهم)، وعلى أساس ذلك يقوم العقل بتقشير المشخصات الفردية عن بكر وعن زيد وعن علي الخ ..حتى يصل إلى المعنى الجامع  المشترك بينهم قابلًا للانطباق على الأفراد الموجودة والتي ستوجد في المستقبل وهو (الإنسانية) وهو المفهوم العام ويسمى، " الكليّ" الذي ينطبق على كثيرين الذي توصل اليه بعد عملية التقشير والانتزاع.
-
إذا اتضحّ ذلك فهناك خلاف بين الفلاسفة في أن هذه الأقسام من العلم هل هي كلها مجرّدة عن المادة أم لا؟ الفلاسفة ما قبل صدر الدين الشيرازي ( صدر المتألّهين ) ذهبوا إلى أن خصوص القسم الثالث هو فقط المجرّد عن المادة، وأمّا صدر المتألهين فذهب إلى أن جميع هذه الأقسام مجرّدة عن المادة، والمصنّف -ره- ذهب مذهب صدر المتألهين في أن هذه الأقسام كلها مجردة عن المادة
-
المصنف -ره- لكي يدخل في حقيقة العلم والادراك أورد مثالًا كالتالي : خذ بيدك صورة ( ٨ * ١٢ سم ) فيها منظر طبيعي أشجار وشلالات وعائلة من أب وأبناء الخ ..إذا نظرنا الى هذه الصورة من ناحية أخرى فنجد أنها قطعة من الكرتون فيها بقع من الألوان وتارةً ننظر اليها بما هي حاكية عن المشهد الواقعيّ، فهنا نسأل هل أنّ هذا المشهد الطبيعي بكل تفاصيله موجود بوجوده الواقعي  في هذه الورقة الكرتونية أم لا ؟ قطعًا لا، فهذا المشهد الواقعي ليس حاضرًا في هذه الورقة لأنها لا يمكن أن تستوعب هذا الواقع الضخم، ولكن هذه الصورة الكرتونية تحكي عن هذا المشهد الواقعي بكل تفاصيله وتعطينا علمًا به، فما هو حقيقة العلم عند الإنسان ؟ ما هو حقيقته عند العلم التجريبي حقيقته عند الفلسفة؟
-
العلم التجريبي قال : أنّ الانسان في حال ارتباطه بالخارج بواسطة حواسه تحصل عنده أن الواقع يؤثر في دماغ الإنسان وفي الجهاز العصبي عنده وهذه الآثار تحصل بواسطة الحواس الخمس، وهذه الآثار التي الموجودة في الدماغ وجودها وعدمها متوقف على استعمال الحواس، فاذا استعمل الانسان حواسه وجدت ظواهر معينة مادية في دماغه، وان لم يستعمل حواسه لم توجد تلك الآثار، وعندما تحصل تلك الآثار في دماغه تحصل عند ذلك حالة العلم والوعي عند الإنسان، فهل العلم في الحقيقة هي حصول تلك الآثار في الدماغ فقط كما قال الماديون أم هو شيء آخر ؟
.
وفي مقام الجواب عن هذا التساؤل توجد نظرية وهي (نظرية الروح الميتافيزيقية) حيث قالوا : أنّ العلم ليس ماديًا ومحلّه ليس ماديًا ومحلّه النفس وهي مجرّدة عن المادة وما ذكره العلم التجريبي من هذه الظواهر التي تحصل في الدماغ لا ننكر منه شيئًا لكنّه ليس بحقيقة العلم وإنما هذه الظواهر هي معدّة ومقدّمة لحصول العلم عند الإنسان وقد أنكر الماديون وجود النفس وكونها مجردة عن المادة، وساق المصنّف -ره- براهين عديدة في إثبات نظرية الروح الميتافيزيقية، يأتي بيانها لاحقًا إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق