الاثنين، 4 ديسمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة (العلم والادراك)

استعرضنا فيما سبق أدلة المصنّف -ره- في اثبات تجرّد العلم والإدراك عن المادّة وقد كانت خمسة أدلة، والنظرية الثانية للعلم والإدراك هي نظرية الماديين، فحتى يستكمل المصنّف -ره- المسألة، استعرض بعض الأدلة التي ذكروها الماديين، لاثبات مادية العلم والإدراك
-

الماديون قالوا : أن التجارب العلمية التي أجراها علماء الطبيعة في عالمنا هذا أثبتت لنا أن عالم الطبيعة لا يخضع للتأثير الأُحادي وإنما كل ظواهر عالم الطبيعة خاضعة للتأثير الثنائي، بمعنى أنّ كل مؤثرٍ حتى يؤثر أثره الخاص يحتاج إلى متأثر وهذا المتأثر يسهم في حصول الأثر وهذا قانون حاكم في عالم الطبيعة أثبتته التجارب في عالم الطبيعة، وأمّا وجود مؤثر أحادي، أي  وجود مؤثر واحد ويعطي آثار خاصة من دون وجود متأثر يسهم في التأثير فهذا لا وجود له في عالم الطبيعة (المادة)، وعلى أساس ذلك فإن موضوع العلم والإدراك لا يشذ عن هذا القانون العام الحاكم في عالم الطبيعة، فالعلم والإدراك عبارة عن الأثر الحاصل في الدماغ نتيجة التفاعل المادة الداخلية مع المادة الخارجية بشكل متبادل (أي تفاعل بين الدماغ والمادة الخارجية)، ثم أضافوا ، بما أن هذا الدماغ عند الإنسان له القدرة على الإنتاج بسبب تزاوجه مع المادة الخارجية أنتج لنا ظاهرة العلم، فهذا يعني أن الدماغ سوف ينتج لنا ظاهرة ثانية إضافة للظاهرة الأولى الحاصلة نتيجة تزاوج الدماغ والمادة الخارجية بحسب قانونٍ ثانٍ اسمه ( التأثير - المحيط - الطبيعة ) وذلك لأن كل ظاهرة من الظواهر تتأثر بالبيئة المحيطة به وذلك تؤثر بالبيئة المحيطة بها، فالدماغ الإنسان عندما يتزاوج مع المادة الخارجية ينتج لنا ظاهرة العلم وهذا العلم الحاصل في الدماغ يتأثر ويؤثر في الدماغ لأن الدماغ محيط به وفق القانون الثاني ونتيجة ذلك، ينتج لنا علم من، العلم أي علمٍ آخر حاصل من العلم الأول الناتج عن التزاوج( شيء غير مأخوذ من التزاوج بين الدماغ والمادة الخارجية) وهكذا يتوصل الإنسان إلى جميع مدركاته من خلال هذه العملية المادية من وجدانيات وقوانين كلية كالسببية الخ..).
-
أجاب المصنّف -ره- عن هذا البيان بثلاثة أمور
.
١- نحن لسنا بصدد إنكار أي من هذه الظواهر المادية المصاحبة لعملية الإدراك والعلم، ولكنا نقول أنه ليس هذا هو العلم، وحتى يتضح الأمر نرجع إلى مثال الصورة الفوتوغرافية التي تعرضنا لها في أول المقالة، فإذا أخذنا هذه الصورة الفوتوغرافية فنستطيع أن نلحظها بلحاظين
١- لحاظ بما هي حاكية عن الواقع ( مناظر خلابة الخ..)
٢- لحاظ بما هي صورة استقلالية ( قطعة ورقية فيها بقع ألوان )
-

وهذا البيان المتقدّم للفلسفة المادية ناظرةً إلى العلم نظرة استقلالية، وهذا خارج عن محل البحث فنحن لا ننظر إلى العلم بما هو موجود بل بما هو كاشف عن الخارج وعلى أساسه نقول أن العلم مجرد عن المادة، وكلامهم يصب في النظرة الاستقلالية أي بما هو موجود ونحن لا ننكر وجود هذه الظواهر المادية، وتأتي بقية النقاط في المقالة اللاحقة إن شاء الله

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثالثة ( العلم والادراك )

اشكال على الدليل الخامس
.
 كان الكلام في المقالة السابقة في الدليل الخامس على تجرّد العلم وكان الدليل ستند على التذكر واستحضار المعلومات السابقة، وقد أُشكل على هذا الدليل فقيل
-
صحيح أنّ من أحكام المادة التبدّل والتغيّر وهذا التبدّل، والتغير يشمل الدماغ فخلايا الدماغ أيضًا في تغير وتبدل، ولكن هذه التغيرات والتبدلات التي تحصل في الدماغ تكون بشكل سريع وخاطف بحيث أنّ القوى الادراكية عند الإنسان لا تستطيع ملاحظتها مثل نظر الإنسان إلى نفسه في النهر الجاري، فهي مكونة من عدة صور فتذهب صورة وتنطبع صورة أخرى بسبب تحرك الماء ولكن الإنسان يلحظها صورة واحدة لسرعتها، وكذلك الحال في التذكر، فالآثار الجديدة التي تحل محل أجزاء السابقة في الدماغ ،، تحل بشكلٍ لا يلحظه الإنسان وهذه الآثار الجديدة تشابه وتجانس الآثار السابقة وليس هو عين الشيء السابق، فيتخيل الإنسان أن ما علمه الآن هو نفسه الذي كان يعلمه في الزمان السابق.
-
-أجاب المصنّف -ره- : 
لو سلمنا بهذا الكلام والبيان فأيضًا لا يحلّ مشكلة التذكر عند الإنسان، وغاية ما يثبته هذا الكلام والاشكال أنّ التذكّر عبارة عن حصول صورة جديدة في دماغ الإنسان ويتخيل الإنسان أنّ هذه الصّورة الجديدة هي عين الصورة السابقة التي كان يعلمها قبل النسيان وهذا ليس تذكرًا لعين ما كان يعلمه في السابق، بل هو فقط عبارة عن حصول معلومة جديدة لدى الإنسان.
-
بل هذا البيان بنفسه يثبت أن العلم والإدراك عملية مجردة عن المادة لأن الإشكال يقول : التذكر  عبارة عن حصول صورة جديدة والإنسان يتخيلها عين الصورة السابقة وهذا يعني أن الصورة الجديدة والقديمة في ظرف الخيال تكون واحدة، وهذه  الوحدة الخيالية لا تنسجم مع القول بأنّ الادراك والعلم عملية مادية لأنها لا تنقبل الإنقسام وليست متبدلة بل هم اعترفوا أنها واحدة
-
ثانيًا

 على هذا البيان سيمتنع على الإنسان أن يصدّق ويجزم بأي قضية من القضايا لأنهم قالوا الإدراك نشاط مادي قائم في الدماغ والدماغ متغير كما تقدّم، ففي القضايا التصديقية فيوجد فيها موضوع ومحمول ونحكم على الموضوع بالمحمول، ولكن قبل الحكم نحتاج إلى تصور الطرفين فنتصور الموضوع أولًا ثم نتصور المحمول وعند ذلك لن يبقى الموضوع على حاله لأن التصور عملية مادية قائمة في المخ على زعمهم والمادة في حالة تغير ، فالموضوع لن يبقى على حاله، عندها سيحكم الإنسان على موضوع آخر، وعندها يمتنع التصديق على الإنسان وهذه سفسطة ضحلة