الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

المقالة الثانية

الواقعية والمثالية أو الفلسفة والسفسطة
.
هذه المقالة عقدها المصنّف -ره- للحديث عن المثالية وشبهات المثالية، والمثالية مذهب قديم يعود تاريخه إلى العصر اليوناني، وقبل أن نشرع في هذه المقالة لابدّ من توضيح ثلاثة مفاهيم
.: 
مفهوم المثالية : من يراجع كلمة المثالية في المعاجم يجد لها استعمالات متعددة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والسياسية، فتارةً تطلق كلمة " المثالية " ويراد منها نظرية المثل الأفلاطونية، وتارةً تطلق في العلوم الاجتماعية أو السياسية فيقال " فلان مثاليّ " ويراد منها ذلك الإنسان الذي يعيش في الأوهام، وتارةً تطلق - خصوصًا في العصر الحديث- ويراد بها الإشارة إلى نمطٍ من التفكير يزلزل حقيقة العلم وكاشفيته عن الواقع، فيقول : إن التصورات الموجودة عند الإنسان هي من انتاج العقل وليس لها واقع موضوعي في الخارج وإنّما هي منتجات عقلية صرفة وبعبارة أخرى يقول : إن كان الواقع الخارجي موجود فنحن لا نستطيع أن ندركه فيشكك في قدرة الإنسان للكشف عن الواقع الخارجي،، وهذا هو المراد من المثالية في بحثنا 
-
مفهوم السفسطة : السفسطائيون مجموعة من الناس ولدوا في القرن الخامس قبل الميلاد، وشككوا في كل معارف الإنسان (البديهيات والحسيات)  فشككوا في وجود الواقع الخارجي بل بعضهم شكك في وجود نفسه، فكل شيء عندهم عبارة أوهام وتخيلات فعبثوا بالفلسفة والعلم، ويوجد سببان رئيسيان  لظهور هذا الاتّجاه :
.
١- ظهور فن الخطابة في ذلك الوقت والخطابة بطبيعتها قائمة على الذوقيات والاستحسانات ولا تقوم على أساس علمي وبرهاني، وبالتالي الخطابة أدت بهم إلى هذه التحليلات الساذجة للواقع والتشكيك في علوم الإنسان
-
٢- كثرة الاختلاف والنزاع بين الفلاسفة وعلماء الطبيعة في مختلف القضايا، فكان السفسطائيون يجدون أن مسألة واحدة فيها أكثر من رأي، فكان أصحاب كل رأي يأتون بدليل على صحة مبناهم وبدليل على بطلان الرأي الآخر والآخر كذلك، فوجدوا أنّ المسألة الواحدة قابلة لأن تكون صحيحة بالنسبة لهذا الشخص وخاطئة بالنسبة إلى الشخص الآخر، مما يعني الإنسان  هو مقياس كل شيء ، فلا يوجد شيء اسمه حقيقة هي التي نقيس الأمور اليها،، فالحقيقة عندهم تكون حقيقة بالنسبة للإنسان ،وليست في نفسها حقيقة، فتعدد الآراء والمذاهب قادهم إلى السفسطة فأنكروا الواقع الموضوعي خارج الذهن وهنا المصنّف -ره- يرادف بين المثالية والواقعية
-
٣- مفهوم الواقعية : الواقعية أيضًا لها عدّة استعمالات متعدّدة سواء في الفلسفة أو نظرية المعرفة أو العلوم السياسية والاجتماعية الخ...؛والمراد بالواقعية هنا في بحثنا الإشارة إلى موجوداتٍ خارج ذهن الإنسان وأن وجودها ليس له علاقة بذهن الإنسان ( بمعنى ليس الذهن الذي يفرضها ) بل هي متقررة في الخارج سواء وجد الإنسان أم لم يوجد، ويستطيع الإنسان أن يدرك وجود الواقع الخارجي ادراكًا جازمًا يقينيًا بناءً على البدهيات العقلية.
-
بعد بيان هذه المفاهيم، ندخل في البحث الأول وهو تقرير الواقعية فيقول المصنّف -ره-  : يوجد خلف الذهن واقع خارجيّ ونؤمن كذلك أن علومنا مطابقة لذلك الواقع خلف الذهن مطابقة بدهية فالإنسان بطبيعته وبفطرته يؤمن بوجود الأشياء حوله ولولا وجود الأسد في الواقع لما هرب الإنسان منه ، فهذا كاشف عن إيمانه بوجود واقع خلف ذهنه، ولكن العجيب هناك من أنك وجود واقع موضوعي خلف الذهن فيقول المصنف -ره- : هم لم يخرجوا من بطون أمهاتهم منكرين للواقع الخارجيّ بل أنكروه بعد تعاطيهم لمجموعة من المسائل وبسبب الشبهات التي طرأت عليهم فيما بعد ( أي بعد عملية الفكر) أنكروه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق