الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

متابعة المقالة الثانية

بعض شبهات المثالية
.
قلنا في المقالة السابقة أن المثاليون لم تلدهم أمهاتهم سفسطائيون، وإنّما هم قالوا بالمثالية بعد ممارستهم لعملية الفكر فطرأت عليهم الشبهات فأنكروا وجود الواقع الخارجي خلف الذهن، ومن أبرز شبهاتهم : 
-
الشبهة الأولى : إشكالية المعرفة الحسية
-
هذه الشّبهة موجودة في كلمات جورج باركلي مات سنة ( ١٧٥٣ م) ، وحاصل هذه الشبهة هو أنّ الإنسان مهما حاول أن يصل إلى الواقع فإنه لن يستطيع أن يصل إليه، وذلك لأن الواقع لا يمكن أن يقع بيد الإنسان، وإنما غاية ما يحصّله الإنسان هو صورة أو فكرة أو مفهوم عن الواقع فالإنسان لا يدرك الواقع مباشرة، وإنما نتوفر على صور حسيّة عن الواقع، فهناك فرق بين القول بوجود وحصول ظاهرة " البرق " في الواقع الخارجي وبين القول أنه غاية ما يوجد عندنا فقط صورة حسية فقط عن البرق ( انفعال عصبي فقط من الباصرة ) ، وهذه الصورة الحسيّة لا تقرّر لنا وجود ظاهرة حقيقية في الواقع اسمها البرق، فالحس يوقفنا على الأشياء كما نحسّها نحن، لا كما هي في الواقع، فلا يمكن الجزم بوجود واقع خارجي خلف الذهن
-
وهنا عدّة أجوبة لهذه الشبهة ومنها جواب المدرسة الأرسطية حيث قالوا : أنّ الإيمان بوجود واقع خلف الذهن أمر بدهيّ وفطري ولا يمكن إقامة البرهان عليه [ البدهيات لا يبرهن عليها ]
-
وأجاب المصنّف -ره- : إنّ نفس هذا الإشكال يتضمّن الاعتراف بوجود واقع خارجي خلف الذهن، وهذا الواقع عبارة عن نفس المفكّر وفكره، فإن لم يعترفوا بواقعية المفكر وفكره، فلا داعي لطرح اشكالهم أصلًا !
-
ثانيًا : قال -ره- هذه الشبهة تحوي على مغالطة وذلك أنهم تصوروا أنه إذا وجد واقع خلف الذهن ، فاذا علمنا به يجب أن يحضر الواقع بنفسه عند الإنسان ، وحيث أنه لا يحضر إلّا صورة عنه، فإنه لا يوجد واقع، والجواب عنها : حضور نفس الواقع عند الإنسان أمر غير معقول ، وإنما نحن نتوفر على العلم بالواقع، فنحن نعلم بالنار في الخارج ، لا أن نفس النار تحضر عندنا، فالعلم حقيقته هو الكشف عن الواقع .
-
الشبهة الثانية : أخطاء الحواس
-
 وهي شبهة قديمة تمتد إلى العهد اليوناني، ونظّر لها باركلي وحاول أن ينكر الواقع الخارجي بها، وحاصل الشبهة : إذا كان العلم يرينا الواقع كما هو، فلابدّ أن يكون مصيبًا دائمًا والحواس هي السّبيل الوحيد الموصلة للعلم بالواقع، والحواس مشوبة بالأخطاء، فالباصرة ترينا الشيء صغيرًا من بعيد، وعند الاقتراب نراه كبيرًا وغيرها الكثير من أخطاء الحواس، فإذا كان هذا الحال فكيف تجزمون بوجود واقع خارجي خلف الذهن؟ 
-
أجاب المصنّف -ره- : نحن نسلّم بوجود أخطاءٍ للحواس ولكن في نفس الوقت لدينا إيمان بدهي وفطريّ أولي إجمالي بوجود واقع خارجيّ، فحينئذٍ مجرّد وجود أخطاء للحواس لا ينبغي لها أن تنسحب على كل ادراكاتنا البدهية وننكر الواقع الخارجي، بل نحن إنّما اكتشفنا وجود أخطاء للحواس استنادًا لوجود إيمان عندنا أنّ هناك مقياس على أساسه قلنا أن هذا خطأ، فنحن نكتشف الخطأ بالقياس إلى ميزان ثابت وصحيح وهذا الميزان سلسلة من الحقائق المسلّمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق